فصل: سنة ست وثمانين ومائة وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.من مات في هذه السنة ممن له ذكر:

مات الإمام الفقيه الصالح الخير الشيخ علي بن صالح بن موسى بن أحمد بن عمارة الشاوري المالكي مفتي فرشوط، قرأ بالأزهر العلوم ولازم العلامة الشيخ علي العدوي، وتفقه عليه وسمع الحديث من الشيخ أحمد ابن مصطفى السكندري وغيره، ورجع إلى فرشوط فولي إفتاء المالكية بها، فسار فيها سيراً مقتصداً، ولما ورد عليه الشيخ ابن الطيب راجعاً من الروم، تلقى عنه شيئاً من الكتب وأجازه، وكان لشيخ العرب همام بن يوسف في حقه عناية شديدة وصحبة أكيدة، وكانت شفاعات العلماء مقبولة عنده بعنايته ولذلك راج أمره واشتهر ذكره وطار صيته. وكان حسن المذاكرة والمحاورة محتشماً في نفسه مجملاً في ملابسه وجيهاً معتبراً في الأعين. وألف شيخنا السيد محمد مرتضى باسمه نشق الغوالي من الموريات العوالي وذلك أيام رحلته إلى فرشوط ونزوله عنده، ورفع شأنه عند شيخ العرب وأكرمه إكراماً كثيراً ولما تغيرت أحوال الصعيد قدم إلى مصر مع ابن مخدومه وما زال بها حتى توجه إلى طندتا وكان يعتريه حصر البول فيجلس أياما وهو ملازم للفراش فزار وعاد. توفي يوم دخوله إلى بولاق نهار الثلاثاء ثالث عشر شعبان من السنة، وكان يوماً مطير ذا رعد وبرق، فوصل خبره إلى الجامع الأزهر، فخرج إليه الشيخ علي الصعيدي وكثير من العلماء وتخلف من تخلف لذلك العذر، فجهزوه هناك وكفنوه وأتوا به إلى الأزهر، وأراد الشيخ الصعيدي دفنه في مدفن عبد الرحمن كتخدا لصعوبة الذهاب به إلى القرافة، ثم دفنوه بالمجاورين بجانب تربة الشيخ الصعيدي التي دفن فيها.
ومات الفقيه الفاضل العلامة الشيخ علي بن عبد الرحمن بن سليمان ابن عيسى بن سليمان الخطيب الجديمي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالخرائطي، ولد في أول القرن وقدم الجامع الأزهر فحضر دروس جماعة من فضلاء العصر ولازم بلدية الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية ودرس بالأزهر ونفع الطلبة، وكان إنساناً حسناً منور الشيبة ذا خلق حسن وتودد وبشاشة ومروءة كاملة، وكان له ميل تام في علم الحديث ويتأسف على فوات اشتغاله به ويحب كلام السلف ويتأمل في معانيه مع سلامة الاعتقاد وكثرة الإخلاص. توفي عشية يوم الأربعاء ثاني المحرم افتتاح سنة 1185.
ومات الإمام العلامة الفاضل المحقق الدراك المتفنن الشيخ محمد بان إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن خضر النقراوي المالكي، كان والده من أهل العلم والصلاح والزهد عن جانب عظيم، وعمر كثيراً حتى جاوز المائة وانحنى ظهره، وتوفي سنة 1178. تربى المترجم في حجر أبيه وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الشيخ سالم النقراوي والشيخ خليل المالكي وغيرهما، وتفقه وحضر المعقول على كثير من الفضلاء، ومهر وأنجب درس، وكان جيد الحافظة قوي الفهم والغوص على عويصات المسائل ودقائق العلوم مستحضراً للمسائل الفقهية والعقلية، ولما بلغ المنتهى في العلوم المشهورة تاقت نفسه للعلوم الحكمية والرياضية، فأحضره والده للشيخ الوالد سنة 1171 والتمس منه مطالعته عليه، فأجابه إلى ذلك ورحب به، وكان عمره إذا ذاك نيفاً وعشرين سنة. ولما رأى ما فيه من الذكاء والنجابة والقوة الاستعدادية والجد في الطلب اغتبط به كثيراً وصرف إليه همته وأقبل عليه بكليته وأعطاه مفتاح خزانة بالمنزل يضع فيها كتبه ومتاعه، واشترى له حماراً ورتب له مصروفاً وكسوة، ولازمه ليلاً ونهاراً ذهاباً وإياباً حتى اشتهر بنسبته إليه، فكان يرسله في مهماته وأسراره إلى أكابر مصر وأعيانها مثل علي بك وعبد الرحمن كتخدا وغيرهما، فيحسن الخطاب والجواب مع الحشمة وحسن المخاطبة مع معرفتهم بفضله وعلمه، وكانوا يكرمونه. ومدحهم بقصائد لم أعثر على شيء منها للإهمال وطول العهد، فكان لا يذهب إلى داره إلا في النادر بعد حصة من الليل، ويرجع في الفجر وينزل إلى الجامع بعد طلوع النهار، فيقرأ درسين ثم يعود في الضحوة الكبرى فيقيم إلى العصر، فيذهب إلى الجامع فيقرأ درساً في المعقول ثم يعود. وهكذا كان دأبه إلى أن مات.
تلقى عنه فن الميقات والهيئة والهندسة وهداية الحكمة وشرحها القاضي زادة والجغميني والمبادي والغايات والمقاصد في أقل زمن، مع التحقيق والتدقيق، وحضر عليه المطول والمواقف والزيلعي في الفقه برواق الجبرت بالأزهر وغير ذلك، كل ذلك بقراءته، وعانى علم الأوفاق وتلقاه عن الشيخ المرحوم حتى أدرك أسراره وأقبلت عليه روحانيته. وأجازه الملوي والجوهري والحفني والعفيفي وغيرهم، ولما نفي علي بك إلى النوسات إلى الشيخ فطلب منه أشياء يرسلها إليه مع المترجم، فأرسله إليه وأقام عنده أياماً ورجع من غير أن يعلم أحد بذهابه ورجوعه، وكان يكتب الخط الجيد وجوده على الشيخ أحمد حجاج المعروف بأبي العز. وكتب بخطه كثيراً وألف حاشية على شرح العصام على السمرقندية وأجوبة عن الأسئلة الخمسة التي أوردها الشيخ أحمد الدمنهوري على علماء العصر، وأعطاها إلى علي بك وقال له: أعطها للعلماء الذين يترددون عليك يجيبوني عنها إن كانوا يزعمون أنهم علماء، فأعطاها علي بك للشيخ الوالد وأخبره بمقابلة الشيخ الدمنهوري، فقال له: هذه وإن كانت من عويصات المسائل يجيب عنها ولدنا الشيخ محمد النقراوي. والخمسة الأسئلة المذكورة: الأول في إبطال الجزء الذي لا يتجزأ. الثاني في قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق ما معناه. الثالث في قول أبي منصور الماتريدي معرفة الله واجبة بالعقل مع أن المجهول من كل وجه يستحيل طلبه. الرابع في قول البرجلي إن من مات من المسلمين لسنا نتحقق موته على الإسلام. الخامس في الاستثناء في الكلمة المشرقة هل هو متصل أو منفصل. فأجاب عنها بأجوبة منطوية على مطار الأنظار دلت على رسوخه وسعة اطلاعه وغوصه ومعرفته بدقائق كلام أذكياء الحكماء والمتكلمين وفضلاء الأشعرية والماتريدية. وعانى الرسم فرسم عدة بسائط ومنحرفات وحسب كثيراً من الأصول والدساتير، وتصدى لتعليم الطلبة الذين كانوا يردون من الآفاق لطلب العلوم الغريبة، وكتب شرحاً على متن نور الإيضاح في الفقه الحنفي باسم الأمير عبد الرحمن كتخدا، وله رسالة سماها الطراز المذهب في بيان معنىالمذهب، وهي عبارة عن جواب على سؤال ورد من ثغر سكندرية نظماً وكان له سليقة جيدة في النثر والنظم، ولما ورد إلى مصر محمد أفندي سعيد قاضياً في سنة 1181 امتدحه بقصيدة بليغة لم أعثر عليها وكان به حدة طبيعة وهي التي كانت سبباً لموته، وهو أنه حصل بينه وبين الشيخ البجرمي منافسة فشكاه إلى الشيخ الدمنهوري وهو إذ ذاك الشيخ الجامع، فأرسل إليه فلما حضر عنده في مجلسه بالأزهر فتحامل عليه فقام من عنده وقد أثر فيه القهر ومرض أياماً، وتوفي في شهر جمادى الثانية من السنة. واغتم عليه الشيخ المرحومي غماً شديداً وتأثر لفراقه وحزن لموته وتوعك أياماً بسبب ذلك.
ومات الإمام الفقيه العلامة المفتي الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد الله الشرقاوي الشافعي تفقه على علماء عصره وحضر دروس الأشياخ المتقدمين كالملوي والحفني والبراوي والشيخ أحمد رزة والشيخ عطية الأجهوري، وأنجب في الأصول والفروع الفقهية، وتصدر ودرس وانقطع والإفتاء والقضاء بين المتخاصمين من أهل القرى للإفادة، وأكثرهم من أهل بلاده، وكان لا يفارق محل درسه بالأزهر من الشروق إلى الغروب. وانفرد بالإفتاء مدة طويلة على مذهبه وقلما يرى فتوى وليس عليها جوابه. ولم يزل هذا دأبه حتى تعلل أياماً، وتوفي ثالث ربيع الثاني من السنة.
ومات أحد أذكياء العصر ونجباء الدهر، من جمع متفرقات الفضائل وحاز أنواع الفواضل، الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف بابن الترجمان، ولد بالجزائر سنة 1100، وكان ينتمي إلى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه في تحصيل أنواع العلومن وأجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله، ودخل الروم مراراً وحظي بأرباب الدولة، وأتى إلى مصر وابتنى بها داراً حسنة قرب الأزهر، وكان يخبرعن نفسه أنه لا يستغني عن الجماع في كل يوم، فلذلك ما كان يخلو عن امرأة أو اثنتين حتى في أسفاره. ولما ورد الأمير أحمد آغا أميناً على دار الضرب بمصر المحروسة الذي صار فيما بعد باشا، كان مختصاً بصحبته لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً وله عليه إغداقات جميلة، وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلاً، وتوجه إلى دار السلطنة وكانت إذا ذاك حركة السفر إلى الجهاد كتب هذا عرضحالاً إلى السلطان مصطفى صورته: إن من قرأ استغاثة أبي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة. وقدمه إلى السلطان فاستحسن أن يكون صاحب هذا العرض هو الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الاستغاثة تبركاً، ففاجئه الأمر من حيث لا يحتسب وأخذ في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغماً عن أنفه، ووصل إلى معسكر المسلمين وصار يقرأ فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير أمراء العسكر، فأسر مع من أسر وذهب به إلى بلاد موسقو، وبقي أسيراً مدة ولم يغثه أحد بخلاصه منهم لاشتغال الناس بما هو أهم، حتى توفي هناك شهيداً غريباً في هذه السنة رحمه الله.
ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق أهل بلاده، حضر دروس الشيخ إبراهيم الفيومي وشيخنا الشي علي الصعيدي ودرس برواقهم وكان سريع الإدراك متين الفهم، له في علم الكلام باع طويل. وتزوج ابنة الشيخ أحمد الحماقي الحنفي، وتوفى ثاني شهر رمضان من السنة ودفن بالمجاورين.
ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشبيني الشافعي نزيل جرجا، قرأ على جماعة من مشايخ عصره وتكمل في العربية والفقه، وتوجه إلى الصعيد فخالط أولاد تمام من الهوارة في بيج القرمون أحبوه وسكن عندهم مدة، ثم سكن جرجا. وكان يتردد أحياناً إلى مصر، وكان كثير الاجتماع بصهرنا علي أفندي درويش المكتب، وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلم وحسن المعشرة ومعرفة التجويد ووجوه القراءات. فلما تغيرت أحوال الصعيد أتى المترجم إلى مصر وكان حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن غالباً. توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض أحبابه بعلة البطن، وصلى عليه الشيخ أحمد بن محمد الراشدي ودفن بالمجاورين.
ومات العمدة الفاضل اللغوي الماهر المنشئ الأديب الشيخ عبد الله بن منصور التلباني الشافعي المعروف بكاتب المقاطعة وهو بن أخت الشيخ المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي ولد سنة 1098 تقريباً، وأدرك الطبقة الأولى من الشيوخ العزيزي والعشماوي والنفراوي. وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة، واقتنى كتباً نفيسة في سائر الفنون، وكان سموحاً بإعارتها لأهلها، وكان يعرف مظنات المسائل في الكتب. وكان الأشياخ يجلونه ويعرفونه مقامه، ولما دخل الشيخ ابن الطيب أحبه واغتبط به وبصحبته، وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتاباً، وقرظ على شرح البديعة لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له. ولم يزل حتى فاجأته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة، وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن شرقي مقام سيدي عبد الله المتوفى بالمجاورين رحمه الله.
ومات الأمير الجليل إبراهيم أفندي الهياتم جمليان مطعوناً في نهار الأربع ثالث عشرين المحرم من السنة.

.سنة ست وثمانين ومائة وألف:

فيها في المحرم خرج علي بك إلى جهة البساتين كما تقدم في أواخر العام الماضي وعمل متاريس ونصب عليها المدافع من البحر إلى الجبل، واجتهد في تشهيل تجريدة وأميرها علي بك الطنطاوي وصحبته باقي الأمراء الذين قلدهم والعسكر، فعدوا في منتصفه لمحاربة محمد بك أبي الذهب وإسمعيل بك ومن معهما. وكانوا سائرين يريدون مصر فتلاقوا معهم عند بياضة، ووقعت بينهم معركة قوية ظهر فيها فضل القاسمية، وخصوصاً أتباع صالح بك وعلي أغا المعمار، ووقعت الهزيمة على عسكر علي بك، وساق خلفهم القبالي مسافة فمانعوا عن أنفسهم وعدوا على دير الطين، وكان علي بك مقيماً به، فملما حصل ما حصل اشتد القهر بالمذكور وتحير في أمره وأظهر التجلد وأمر بالاستعداد وترتيب المدافع وأقام إلى آخر النهار، وتفرق عنه غالب عساكره من المغاربة وغيرهم. وحضر محمد بك إلى البر المقابل لعلي بك ونصب صيوانه وخيامه تجاهه، فتفكر علي بك في أمره وركب عند الغروب وسار إلى جهة مصر ودخل من باب القرافة، وطلع إلى باب العزب فأقام به حصة من الليل. وأشيع بالمدينة أن مراده المحاصرة بالقلعة. ثم أنه ركب إلى داره وحمل حموله وأمواله وخرج من مصر وذهب إلى جهة الشام، وذلك ليلة الخامس والعشرين من شهر المحرم، وصحبته علي بك الطنطاوي وباقي صناجقه ومماليكه وأتباعه وطوائفه. فلما أصبح يوم الخميس سادس عشرينه عدى محمد بك إلى بر مصر، وأوقدوا النار في ذلك اليوم في الدير بعد ما نهبوه، ودخل محمد بك إلى مصر وصار أميرها ونادى أصحاب الشرطة على أتباعه بأن لا أحد ياؤيهم ولا يتاويهم، فكانت مدة غيبته سبعين يوماً. وأرسل عبد الرحمن أغا مستحفظان إلى عبد الله كتخدا الباشا فذهب إليه بداره وقبض عليه وقطع رأسه ونادى بإبطال المعاملة التي ضربها المذكور بيد رزق النصراني، وهي قروش مفرد ومجوز وقطع صغار تصرف بعشر أنصاف وخمسة أنصاف ونصف قرش. وكان أكثرها نحاساً وعليها علامة علي بك.

.من مات في هذه السنة من العظماء:

وأما من مات في هذه السنة من العظماء فمات السيد الإمام العلامة الفقيه المحدث الفهامة الحسيب النسيب السيد علي بن موسى بن مصطفى بن محمد بن شمس الدين بن محب الدين بن كريم الدين بن بهاء الدين داود بن سليمان بن شمس الدين ابن بهاء الدين داود الكبير بن عبد الحفيظ بن أبي الوفاء محمد البدرى ابن أبي الحسن علي بن شهاب الدين أحمد بن بهاء الدين داود بن عبد الحافظ ابن محمد بن بدر ساكن وادي النسور بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بنزكي الدين سالم بن محمد بن محمد بن زيد بن حسن بن السيد عريض المرتضى الأكبر بن الإمام زيد الشهيد ابن الإمام علي زين العابدين ابن السيد الشهيد الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب الحسيني المقدسي الأزهري المصري، ويعرف بابن النقيب، لأن جدوده تولوا النقابة ببيت المقدس، ولد تقريباً سنة 1125 ببيت المقدس وبها نشأ، وقرأ القرآن على الشيخ مصطفى الأعرج المصري والشيخ موسى كبيبة علي عود ومحمد بن نسيبة الفضلي المكي، وأخذ العلم عن عم أمه صاحب الكرامات حسين العلمي نزيل لد وأبي بكر بن أحمد العلمي مفتي القدس والشيخ عبد المعطي الخليلي، ووصل إلى الشام فحضر دروس الشيخ أحمد المتيتي والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ عبد الغني النابلسي واجتمع على الشيخ صالح البشيري الآخذ عن الخضر عليه السلام وعامر ابن نعير وأحمد القطناني ومصطفى بن عمر والدمشقي. وكان من الأبدال وأحمد النحلاوي وكان من أرباب الكشف ومحمد بن عميرة الدمشقي وعمران الدمشقي وزيد اليعبداوي وخليفة بن علي اليعبداوي ورضوان الزاوي وأحمد الصفدي المجذوب والشيخ مصطفى بن سوار، ودخل حماة فأخذ عن القطب السيد يس القادري، وحلب فأخذ بها عن أحمد البني وعبد الرحمن السمان كلاهما من تلاميذ الشيخ أحمد الكتبي، وعن الشيخ محمد بن هلال الرامهداني والشيخ عبد الكريم الشرباتي، وعاد إلى بيت المقدس فاجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي أيضاً وبالسيد مصطفى البكري بحلب حين كان راجعاً من بغداد فأخذ عنه الطريقة ورغبه في مصر فوردها، وحضر على الشمس السجيني ومصطفى العزيزي والسيد علي الضرير الحنفي وأحمد بن مصطفى الصباغ والشهابين الملوى والجوهري والشمس الحنفي وأحمد العماوي وشيخ المذهب سليمان المنصوري، وأجازه سيدي يوسف بن ناصر الدرعي وأحمد العربي وأحمد بن عبد اللطيف زروق وسيدي محمد العياشي الأطروش والشيخ ابن الطيب في آخرين ورأس في المذهب، وتمهر في الفنون ودرس بالمشهد الحسيني في التفسير والفقه والحديث، واشتهر أمره وطار صيته. وكان فقيهاً في المذهب بارعاً في معرفة فنونه عارفاً بأصوله وفروعه، ويستنبط الأحكام بجودة ذهنه وحسن حافظته، ويكتب على الفتاوى برائق لفظه. وكانت له في النثر طريقة غريبة لا يتكلف في الأسجاع، وإذا سئل عن مسألة كتب عليها الجواب أحسن من الروض جاد بن الغمام وأغزر من الوبل ساعده نوء النعام. ويكتب في الترسل على سجية بادرة وفكرة على السرعة صاددة وكان ذا جود وسخاء وكرم ومروءة ووفاء، لا يدخل في يده شيء من متاع الدنيا إلا وبذله لسائليه وأغدق به على معتفيه، وكان منزله الذي قرب المشهد الحسيني مورداً للآملين ومحطاً لرجال الوافدين مع رغبته في الخيل المنسوبة وحسن معرفته لأنسابها وعزوه لأربابها. وكان اصطبله دائماً لا يخلو من اثنين أو ثلاثة يركب عليها ويضمرها ويعتني بأحوالها ويرغب في شرائها لمعرفته بالفروسية في رمي السهام واستعمال السلاح واللعب بالرماح وغير ذلك. ولما ضاق عليه منزله لكثرة الوفاد عليه ولكثرة ميله إلى ربط الخيول انتقل إلى منزل واسع بالحسينية في طرف البلد بناء على أن الأطراف مساكن الأشراف، فسكنه وعمر فيه وفي الزاوية التي قرب بيته، وصرف عليها مالاً كثيراً. وفي سنة 1177 استخار الله تعالى في التوجه إلى دار السلطنة لأمور أوجبت رحلته إليها، منها أنه ركبت عليه الديون وكثر مطالبوها وضاق صدره من عدم مساعدة الوقت له، وكان إذ ذاك محل تدريسه بالمشهد الحسيني، وعزم عبد الرحمن كتخدا على هدمه وإنشائه على هذه الصورة، ورأي أن هذه البطالة تستمر أشهراً فوجد فرصة وتوجه إليها وقرأ دروساً في الحديث في عدة جوامع، واشتهر هناك بالمحدث وأقبلت عليه الناس أفواجاً للتلقي، وأحبته الأمراء وأرباب الدولة وصارت له هناك وجاهة. إلا أنه كان في درسه ينتقل تارة إلى الرد العنيف على أرباب الأموال والأكابر وملوك الزمان وينسبهم إلى الجور والعدوان وانحرافهم عن الحق، فوشى به الحاسدون فبرز الأمر بخروجه من البلد وكان قد تزوج هناك فعاد إلى مصر. فلما وصل إلى بولاق ذهب إليه جماعة من الفضلاء واستقبلوه. واستقر في منزله وعاد إلى دروسه في المشهد وذلك سنة 1183، ولم يترك عادته المألوفة من إكرام الضيوف وبذل المعروف، وكان لا يصبر على الجماع وعنده ثلاث نسوة شامية ومصرية ورومية، وإذا خرج إلى الخلاء أو بعض المنتزهات أخذ صحبته من يريدها منهن ونصب لها خيمة وألف الاغتسال مدة إقامته يوماً أو يومين أو أكثر. واتفق له في آخر أمره أنه ذهب عند محمد بك أبي الذهب وكان في ضائقة، فحادثه الأمير على سبيل المباسطة وقال له: كيف رأيت أهل اسلامبول؟ فقال: لم يبق بإسلامبول ولا بمصر خير ولا يكرمون الأشرار الخلق، وأما أهل العلم والأشراف فإنهم يموتون جوعاً. ففهم الأمير تعريضه وأمر له بمائة ألف نصف فضة من الضربخانة، فقضى منها بعض ديونه وأنفق باقيها على الفقراء، وعاش بعدها أربعين يوماً وتعلل بخراج أياماً وأحضروا له رجلاً يهودياً فقصده بمشتر قيل أنه مسموم، فكان سبباً لموته. وتوفي عصر يوم الأحد سادس شهر شعبان من السنة، وجهز في صبح يوم الاثنين، وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل، ودفن بمقبرة باب النصر على أكمة هناك. ولما مات أحضر له الناس من الأعيان عدة أكفان وكل منهم يريد أن لا يوضع إلا في كفنه، فأخذوا من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلك جبراً لخواطرهم. وأعطى الأمير محمد بك لأخيه مولانا السيد بدر الدين عندما أخبره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه. وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره مكانه لإملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني، وأقبلت عليه الناس والأعيان، ومشى على قدم أخيه وسار سيراً حسناً وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الأخلاق وإطعام الطعام وإكرام الضيفان والتردد إلى الأعيان والأمراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لأهل حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم ولو من الأمراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم، حتى صار مرجعاً وملجأ لهم في أمورهم ومقاصدهم، وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم ويخشون جانبه وصولته عليهم. ثم إنه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجداً نفيساً لطيفاً، وعمل به منبراً وخطبة ورتب به إماماً وخطيباً وخادماً وجعل بجانبه ميضاه ومصلى لطيفة يسلك إليهما من باب مستقل، وبها كراسي راحة، وأنشأ بجانب المسجد داراً نفيسة وانتقل إليها بعياله، وترك الدار التي كانت سكنه مع أخيه لأنها كانت بالأجرة، وبنى لأخيه ضريحاً بداخل ذلك المسجد ونقله إليه وذلك سنة 1205. فلما كانت الحوادث سنة 1213 واستيلاء الفرنسيس على الديار المصرية وقيام سكان الجهة الشرقية من أهل البلد وهي القومة الأولى التي قتل فيها دبوي قائمقام، تحركت في السيد بدر الدين المذكور الحمية، وجمع جموعه من أهل الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الإفرنج ومقاتلتهم، وبذل جهده في ذلك. فلما ظهر الإفرنج على المسلمين لم يسع المذكور الإقامة، وخرج فاراً إلى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس، وفحص عنه الإفرنج وبثوا خلفه الجواسيس، فلم يدركوه، فعند ذلك نهبوا داره وهدموا منها طرفاً وكل تخريبها أوباش الناحية، وخربوا المسجد، وصارت في ضمن الأماكن التي خربها الفرنسيس بهدم ما حول السور من الأبنية ثم في الواقعة الكبيرة الثانية عندما حضر الوزير والعساكر الرومية ورجعوا بعد نقض الصلح بدون طائل كما يأتي تفصيل ذلك. فلما حضروا ثانياً بمعونة الانكليز وتم الأمر وسافر الفرنسيس إلى بلادهم ورجع المذكور إلى مصر وشاهد ما حصل لداره ومسجده من التخريب، أخذ في أسباب تعميرهما وتجديدهما حتى أعادهما أحسن مما كانا عليه قبل ذلك، وسكن بها وهو الآن بتاريخ كتابة هذا المجموع سنة 1220 قاطن بها، ومحله مجمع شمل المحبين ومحط رحال القاصدين بارك الله فيه. ال والأكابر وملوك الزمان وينسبهم إلى الجور والعدوان وانحرافهم عن الحق، فوشى به الحاسدون فبرز الأمر بخروجه من البلد وكان قد تزوج هناك فعاد إلى مصر. فلما وصل إلى بولاق ذهب إليه جماعة من الفضلاء واستقبلوه. واستقر في منزله وعاد إلى دروسه في المشهد وذلك سنة 1183، ولم يترك عادته المألوفة من إكرام الضيوف وبذل المعروف، وكان لا يصبر على الجماع وعنده ثلاث نسوة شامية ومصرية ورومية، وإذا خرج إلى الخلاء أو بعض المنتزهات أخذ صحبته من يريدها منهن ونصب لها خيمة وألف الاغتسال مدة إقامته يوماً أو يومين أو أكثر. واتفق له في آخر أمره أنه ذهب عند محمد بك أبي الذهب وكان في ضائقة، فحادثه الأمير على سبيل المباسطة وقال له: كيف رأيت أهل اسلامبول؟ فقال: لم يبق بإسلامبول ولا بمصر خير ولا يكرمون الأشرار الخلق، وأما أهل العلم والأشراف فإنهم يموتون جوعاً. ففهم الأمير تعريضه وأمر له بمائة ألف نصف فضة من الضربخانة، فقضى منها بعض ديونه وأنفق باقيها على الفقراء، وعاش بعدها أربعين يوماً وتعلل بخراج أياماً وأحضروا له رجلاً يهودياً فقصده بمشتر قيل أنه مسموم، فكان سبباً لموته. وتوفي عصر يوم الأحد سادس شهر شعبان من السنة، وجهز في صبح يوم الاثنين، وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل، ودفن بمقبرة باب النصر على أكمة هناك. ولما مات أحضر له الناس من الأعيان عدة أكفان وكل منهم يريد أن لا يوضع إلا في كفنه، فأخذوا من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلك جبراً لخواطرهم. وأعطى الأمير محمد بك لأخيه مولانا السيد بدر الدين عندما أخبره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه. وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره مكانه لإملاء درس الحديث النبوي بمسجد المشهد الحسيني، وأقبلت عليه الناس والأعيان، ومشى على قدم أخيه وسار سيراً حسناً وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الأخلاق وإطعام الطعام وإكرام الضيفان والتردد إلى الأعيان والأمراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لأهل حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم ولو من الأمراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم، حتى صار مرجعاً وملجأ لهم في أمورهم ومقاصدهم، وصار له وجاهة ومنزلة في قلوبهم ويخشون جانبه وصولته عليهم. ثم إنه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجداً نفيساً لطيفاً، وعمل به منبراً وخطبة ورتب به إماماً وخطيباً وخادماً وجعل بجانبه ميضاه ومصلى لطيفة يسلك إليهما من باب مستقل، وبها كراسي راحة، وأنشأ بجانب المسجد داراً نفيسة وانتقل إليها بعياله، وترك الدار التي كانت سكنه مع أخيه لأنها كانت بالأجرة، وبنى لأخيه ضريحاً بداخل ذلك المسجد ونقله إليه وذلك سنة 1205. فلما كانت الحوادث سنة 1213 واستيلاء الفرنسيس على الديار المصرية وقيام سكان الجهة الشرقية من أهل البلد وهي القومة الأولى التي قتل فيها دبوي قائمقام، تحركت في السيد بدر الدين المذكور الحمية، وجمع جموعه من أهل الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الإفرنج ومقاتلتهم، وبذل جهده في ذلك. فلما ظهر الإفرنج على المسلمين لم يسع المذكور الإقامة، وخرج فاراً إلى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس، وفحص عنه الإفرنج وبثوا خلفه الجواسيس، فلم يدركوه، فعند ذلك نهبوا داره وهدموا منها طرفاً وكل تخريبها أوباش الناحية، وخربوا المسجد، وصارت في ضمن الأماكن التي خربها الفرنسيس بهدم ما حول السور من الأبنية ثم في الواقعة الكبيرة الثانية عندما حضر الوزير والعساكر الرومية ورجعوا بعد نقض الصلح بدون طائل كما يأتي تفصيل ذلك. فلما حضروا ثانياً بمعونة الانكليز وتم الأمر وسافر الفرنسيس إلى بلادهم ورجع المذكور إلى مصر وشاهد ما حصل لداره ومسجده من التخريب، أخذ في أسباب تعميرهما وتجديدهما حتى أعادهما أحسن مما كانا عليه قبل ذلك، وسكن بها وهو الآن بتاريخ كتابة هذا المجموع سنة 1220 قاطن بها، ومحله مجمع شمل المحبين ومحط رحال القاصدين بارك الله فيه.
ومات الفقيه المفنن العلامة الشيخ علي بن شمي الدين بن محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيدي الشهير بالخضري، ولد بالثغر سنة أربع وعشرين، وأمه آمنة بنت الحاج عامر بن أحمد العراقي، وأمها صالحة بنت الشريف الحاج علي زعيتر أحد أعيان التجار برشيد، حفظ المترجم الزبد والخلاصة وسبيل السعادة والمنهج إلى الديات والجزرية والجوهرة، وسمع علي الشيخ يوسف القشاشي الجزرية وابن عقيل والقطر وعلى الشيخ عبد الله بن مرعي الشافعي في شوال سنة إحدى وأربعين، جمع الجوامع والمنهج وألقى منه دروساً بحضرته، ومختضر السعد واللقاني على جوهرته، وشرح ابنه عبد السلام والمناوي على الشمائل والبخاري وابن حجر على الأربعين والمواهب وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيري معظم البخاري دراية، والمواهب وابن عقيل والأشموني على الخلاصة وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين ونصف الغفراوي على الرسالة والبيضاوي إلى قوله تعالى وإذا وقع القول فكلمه بعد موته.
وفي سنة ثمان وثلاثين وفد على الثغر الشيخ عطية الأجهوري فقرأ عليه العصام في الاستعارات مع الحفيد، وعلى الشيخ محمد الأدكاوي شرح السيطوي على الخلاصة والشنشوري على الرحبية والتحرير لشيخ الإسلام، ثم قدم الجامع الأزهر سنة ثلاث وأربعين فجاور ثلاث سنوات، فسمع علي الشيخ مصطفى العزيزي شرح المنهج مرتين والخطيب والشمائل وأجازه بالإفتاء والتدريس في رجب سنة ست وأربعين، وكان به باراً رحيماً شفوقاً بمنزلة الوالد حتى بعد الوفاة: وجرت له معه وقائع كثيرة تدل على حسن توجهه له دون غيره من الطلبة: وسمع على السيد علي الحنفي الضرير الأشموني وجمع الجوامع والمغني وبعض المنفرجة والقسطلاني على البخارى وتصرف العزى وعلى الشمس محمد الدلجي المغني كله قراءة بحث والخطيب وجمع الجوامع، وعلى الشيخ علي قايتباي الخطيب فقط، وعلى الشيخ الحفني الخطيب والمنهج وجمع الجوامع والأشموني ومختصر السعد وألفية المصطلح ومعراج الغيطي، وعلى أخيه الشيخ يوسف الأشموني والمختصر ورسالة الوضع، وعلى الشيخ عطية الأجهوري المنهج والمختصر والسلم، وعلى أحمد الشبراملسي الشافعي المختصر والتجرير وبعض العصام ومنظومة في أقسام الحديث الضعيف، وعلى الشيخ محمد السجيني الشمائل وموضع من المنهج، وأجازه الشيخ الشبراوي بالكتب الستة بعد أن سمع عليه بعضاً منها، ورجع عن فتواه مرتين في وقفين، وعلى الشيخ أحمد بن سابق الزعبلي النمهج كله مرتين، وعلى الشيخ أحمد المكودى كبرى السنوسي وبعض مختصره دراية، وعلى الشيخ محمد المنور التلمساني شيخ المكودى المذكور أم البراهين دراية، وعلى الشيخ أحمد العماوى المالكي بعض سنن أبي داود وجمع الجوامع والمغني والأزهرية. ولما رجع إلى الثغر لازم الشيخ شمس الدين الغوى خطيب جامع المحلي فسرد عليه معظم متن الزبد والنمهج وشرحه والشنشورى ومتن العباب وهو الذي عرفه به وبطريق تركيب الفتاوى أسئلة وأجوبة. وكان يقول: لا بد للمبتلي بالإفتاء من العباب لوضوحه واستيعابه. وأجازه الشيخ شلبي البرلسي والشيخ عبد الدائم بن أحمد المالكي وأحمد بن أحمد بن قاسم الوني. وله مؤلفات جليلة منها شرح لقطة العجلان وحاشية على شرح الأربعين النووية للشبشيرى أجاد فيها كل الإجادة، وقد رأيت كلاً منهما بالثغر عند ولده السيد أحمد، توفي في خامس عشرين شعبان من السنة.
ومات الشاب الصالح والنجيب الأريب الفالح العلامة المستعد النبيه الذكي الشيخ محمد بن عبد الواحد بن عبد الخالق البناني، أبوه وجده وعمه من أعيان التجار والثروة بمصر، نشأ في عفة وصلاح وحفظ القرآن والمتون وحبب إليه طلب العلم فتقشف لذلك وتجرد ولازم الحضور والطلب، ودأب واجتهد في التحصيل وسهر الليل، وكان له حافظة جيدة وفهم حاد وقوة استعدادية وقابلية، فأدرك في الزمن اليسير ما لم يدركه غيره في الزمن الكثير، ولازم شيخنا الشيخ محمد الجناجي المعروف بالشافعي ملازمة كلية وتلقى عنه غالب تحصيله في الفقه والمعقول والمنطق والاستعارات والمعاني والبيان والفرائض والحساب وشباك ابن الهاثم وغير ذلك، وحضر دروس الشيخ الصعيدي والدردير وغيرهم حتى مهر وأنجب ودرس واشتهر بالفضل وعمل الختوم، وحضره أشياخ العصر وشهدوا بفضله وغزارة علمه وانتظم في عداد أكابر المحصلين والمفيدين والمستفيدين، ولم يزل هذا حاله حتى وافاه الحمام وانمحق بدره عند التمام، ومات مطعوناً في هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة لم يجاوز الثلاثين عوضه الله الجنة، وهو ابن عم الإمام العلامة الشيخ مصطفى بن محمد بن عبد الخالق من أعيان العلماء المشاهير بمصر الآن بارك الله فيه.
ومات الفقيه الفاضل المحقق الشيخ أحمد بن أحمد الحمامي الشافعي الأزهري، ولد بمصر واشتغل بالعلم من صغره ومال بكليته إليه وحبب إليه مجالسة أهله، فلازم الشيخ عيسى البراوى حتى مهر وتفقه عليه، وحضر دروس الشمس الحفني والشيخ علي الصعيدى وغيرهما، وأجازوه، وحج في سنة خمس وثمانين مرافقاً لشيخنا الشيخ مصطفى الطائي، ورجعا إلى مصر وتصدر للتدريس والإفتاء في حياة شيوخه، ودرس وأفاد. وكان أكثر ملازمته لزاوية الشيخ الخضرى، ويقرأ درساً بالصرغتمشية، وانتفع به جماعة وله حاشية على الشيخ عبد السلام مفيدة وأخرى على الجامع الصغير للسيوطي لم تتم، وكان ذا صلاح وروع وخشية من الله وسكون ووقار. توفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الأول من السنة ودفن ثاني يوم بمشهد عظيم بالقرب من السادة المالكية.
ومات الإمام الصوفي العارف المعمر الشيخ علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القدوس ابن القطب شمس الدين محمد الشناوى الروحي الأحمدى المعروف ببندق، ولد قبل القرن وأخذ عن عميه محمد العالم وعلي المصري، وهما عن عمهما الشمس محمد بن عبد القدوس الشهير بالدناطي، عن ابن عمه الشهاب الخامي، ومسكنهم بمحلة روح وهو شيخ مشايخ الأحمدية في عصره. وانتهت إليه الرياسة في زمنه وعاش كثيراً حتى جاوز المائة ممتعاً بالحواس، وكان له خلوة في سطح منزله ولها كوة مستقبلة طندتا، بين يديها فضاء واسع يرى منها آثار طندتا وهو مستقبل القبلة في حال جلوسه ونومه ونظره إلى تلك الكوة. وأخبرني أولاده أنه هكذا هو مستمر على هذه الطريقة من مدة طويلة. توفي في أوائل جمادى الأولى من السنة، واجتمع بمشهده غالب أهل البلاد من المشايخ والأعيان والصلحاء من الآفاق، والسيد محمد مجاهد الأحمدي والشيخ محمد الموجه والسيد أحمد تقي الدين وغيرهم، ودفن عند أسلافه بمحلة روح.
ومات الأمير خليل بك ابن إبراهيم بك بلفيا تقلد الإمارة والصنجقية بعد موت والده وفتح بيتهم وأحيا ما آثرهم، وكان أهلاً للإمارة ومحلاً للرئاسة، وتقلد إمارة الحج في سنة إحدى وثمانين، ورجع في أمن وسخاء وطلع أيضاً في السنة الثانية ومات بالحجاز ورجع بالحج أخوه عبد الرحمن أغا بلفيا.
ومات الأجل المكرم الرئيس محمد تابع المرحوم محمد أوده باشه طبال مستحفظان ميسو الجداوي، وهو زوج الجدة أم المرحوم الولد تزوج بها بعد موت الجد في سنة 1114، وقطن بها ببندر جدة وأولدها حسيناً ومحمداً، وتوفي سنة أربع وخمسين عن ولديه المذكورين وأخيهما محمود من أبيهما وعتقائه ومنهم المترجم قرباه ابن سيدة وهو العم حسين، فأنجب وعانى التجارة ورئاسة المراكب الكبار ببحر القلزم حتى صار من أعيان النواخيد الكبار، واشتهر صيته وذكره وكثر ماله وبنى داراً بمصر بجوار المدارس الصالحية واشترى المماليك والعبيد والجواري، وصار له دار بمصر وبجدة، ولم يزل حتى توفي بالشام وهو راجع إلى مصر، ووصل نعيه في سابع عشرين ربيع الثاني رحمه الله.
ومات الخواجا الصالح المعمر الحاج محمد بن عبد العزيز البنداري وكان إنساناً حسناً وهو الذي عمر العمارة والمساكن بطندتا واشتهرت به. توفي في غرة ربيع أول بعد تعلل رحمه الله تعالى.